بعد مرور أسابيع على انطلاق التحقيق، تبيّن أن الادّعاءات بحقّ خان لم تكن مبنيّة على قرائن موثوقة، بحسب أوساط في المحكمة (أ ف ب)
عمر نشابة
الخميس 22 أيار 2025
تكثّفت الضغوط الإسرائيلية والأميركية على المدّعي العام في «المحكمة الجنائية الدولية»، كريم خان، منذ أن تجرّأ على طلب إصدار مذكّرة اعتقال بحقّ رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ووزير أمنه السابق يوآف غالانت، في أيار من العام الماضي، وذلك على خلفية «جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية» تماديا في ارتكابها في قطاع غزة المحاصَر. وقد دفعت هذه الضغوط إلى تجميد عمل خان الذي بدأ، اعتباراً من يوم أمس، إجازةً من المحكمة.
وقبل عرض تفاصيل الضغوط الإسرائيلية - الأميركية، تجدر الإشارة إلى أن نظام المحكمة يستدعي موافقة دائرة قضائية تمهيدية على مذكّرة الاعتقال قبل صدورها رسمياً، علماً أن صدور قرار القضاة الدوليين، تأخّر لغاية الـ23 من تشرين الثاني الماضي. ويومها، أمرت «الجنائية» كلّ الدول الموقّعة على «إعلان روما الأساسي» (137 دولة، بما فيها كل دول الاتحاد الأوروبي) باعتقال نتنياهو وغالانت في حال وجودهما ضمن أراضيها أو مياهها الإقليمية أو أجوائها. لكنّ العديد من الدول الغربية، بما فيها المجر وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، تسعى إلى التنصّل من التزاماتها بموجب الإعلان، وتبحث عن حجج لعدم اعتقال المجرمَين، لأن ذلك يتناقض مع سياسة دعم الغرب المطلق للكيان الإسرائيلي منذ تأسيسه عام 1948.
وقد شملت الضغوط الأميركية، القضاة في الدائرة القضائية التمهيدية المؤلّفة من القاضي الفرنسي نيكولا غويو، والقاضية السلوفينية بيتي هوهلر، والقاضية البينينية رين ألابيني غانسو (النائبة الثانية عن رئيس المحكمة)، والقاضية المكسيكية سوكورو فوريس لييرا، والقاضية الرومانية جوليا مودوك، إذ فرضت واشنطن حظراً عليهم وعلى باقي القضاة والموظفين في «المحكمة الجنائية الدولية»، ومنعتهم من السفر الى الولايات المتحدة.
الضغوط التي تعرّض لها المدّعي العام، استهدفت وضعه العائلي وحساباته المصرفية وسمعته
أمّا الضغوط التي تعرّض لها المدعي العام، فاستهدفت وضعه العائلي وحساباته المصرفية وسمعته بشكل عام. فقد شُنّت حملة إعلامية (قادتها صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية) على الرجل، اتّهمته بالتحرش الجنسي، واغتصاب موظفة ماليزية تعمل في مكتبه. وعلى إثر ذلك، قرّرت المحكمة فتح تحقيق داخلي في هذا الشأن، لكنها لم تطلب من المدّعي العام التنحّي إلى حين ختم التحقيق. وبعد مرور أسابيع على انطلاق التحقيق، تبيّن، بحسب أوساط في المحكمة، أن الادّعاءات بحقّ خان لم تكن مبنيّة على قرائن موثوقة.
ولكن ذلك لم يخفّف من حدّة الضغوط الممارَسة على الرجل، الذي تعرّضت حساباته المالية في المصارف البريطانية للتجميد، كما تعرّض لهجوم إلكتروني مَنَعه من الدخول إلى بريده الإلكتروني. فقرّر، في الـ16 من أيار (الخمس الماضي)، أخذ إجازة لمعالجة آثار الضغوط على عائلته وحياته الشخصية ووضعه المالي. وعلمت «الأخبار»، أمس، من أوساط «المحكمة الجنائية» في لاهاي، أن الضغوط الأميركية - الإسرائيلية التي يتعرّض لها القضاة والموظفون، لها أثر سلبيّ على عملهم، فيما عبّر بعضهم عن خشيته من مضايقات إضافية.
وأصدرت المحكمة بياناً رسميّاً، أول أمس، جاء فيه تأكيد مكتب المدعي العام تولّي نائبَيه، نزهات شميم خان ومامي ماندياي نيانغ، قيادة المكتب وإدارته، في أعقاب قرار خان بدء إجازة. وشدّد البيان على أن إجازة خان ستدوم حتى موعد انتهاء عملية مكتب خدمات الرقابة الداخلية التابع للأمم المتحدة في سوء سلوكه المزعوم.
وبعد تولّيهما القيادة، أكّد نائبا المدعي العام على أهمية ضمان استمرارية أنشطة المكتب في جميع مجالات العمل، «وخاصةً في مهمّته المتمثلة في التحقيق في أخطر الجرائم وملاحقة مرتكبيها باستقلالية وحيادية»، وأيضاً «التزامه بمواصلة التنفيذ الفعّال لولايته المتمثّلة في تحقيق العدالة لضحايا الجرائم المنصوص عليها في نظام روما الأساسي، في جميع الحالات والقضايا على مستوى العالم». وختم بيان المحكمة بالقول إن نواب المدعي العام والموظفين سيواصلون «الاعتماد على دعم وتعاون مجتمع نظام روما الأساسي، وجميع الشركاء، في المضي قدماً في ولاية مكتب المدّعي العام».